top of page

سرقة الكهرباء

السرقة هي مشكلة تعاني منها الدول، المواطنين، وأصحاب المشاريع. حين تتفشى هذه الصفة اللاأخلاقية بين أفراد المجتمع فلن يكون المصير إلا الفشل الذريع. قد عانت البشرية من هذه الظاهرة المتلونة التي ارتداها العديد وهي في تطور مما يستوجب مواجهتها بحزم. يمكنك النظر الى ما آلت اليه عدة دول كانت تتمتع بالرقي والفكر الحديث حيث انتهى بها المطاف إلى سرقة حتى الأعضاء البشرية. ولا يستغرب أن يحدث ذلك في أي مكان، فبالبداية قد يكون المجتمع رافضا لهذا السلوك، ولكن حين ينتشر يجب ألا ننسى تأثير الأغلبية على الفرد. منذ أكثر من عقد ونرى الصحافة تصرخ بعدة أنواع من السرقة، وأحدهم الكهربائية [١].

فسرقة التيار الكهربائي للتهرب من التكاليف الشهرية منتشرة بعدة دول، مصر على سبيل المثال قد عانت من هذه المشكلة والتي كانت تفقد شركة الكهرباء في الإسكندرية نحو ٩٪ من إنتاجها عام ٢٠٠٩م [٢]. حيث سعت إدارة الشركة بمواجهة السرقة عن طريق المعونة اليابانية التي احتوت على عدادات الكترونية. والهند أيضا لم تسلم من هذه الظاهرة والتي كلفت اقتصادها بشدة، حيث تقدر السرقة والمشاكل في التوزيع بما يعادل ٢٦١،١٣٠ GW/hr وهو ما يكفي لتشغيل مدينة نيويورك لمدة سنتين [٣]. كذلك الدول التي تلقب بالعظمى تواجه السلوك ذاته حيث تقدر سرقة الكهرباء في أمريكا سنويا ب ٦ مليارات دولار أمريكي، مما يعطيها المركز الثالث عالميا لأكثر الدول تعرضه لسرقة الكهرباء [٤]. يقوم سراق الكهرباء بتكلفة الحكومات والشركات عالميا بما يعادل ٩٦ مليار دولار سنويا، وللأسف الكويت هي إحدى الدول المتضررة من هذه الظاهرة [٥].

لم تمضي فترة طويلة على آخر ضبطيات سرقة الكهرباء في الكويت، ففي تاريخ ٨/٧/٢٠٢٠م قامت وزارة الكهرباء بتحرير مخالفات الى ٢٤ قسيمة والتي تتضمن ٣١٢ شقة [٦]. من خلال النظر الى أرقام المخالفات، تدل الأعداد على تزايد حالات السرقة وهو أمر يجب وقفه ومعاقبة المتسببين لإهدار المال العام والتعرض على ممتلكات الدولة.

حين نطلع على الناحية التشريعية، نجد قانون ٤٨/٢٠٠٥ الذي بدوره يعاقب من تحرضه نفسه على هذه الأعمال بالحبس مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر وغرامة لا تقل عن ٢٠٠٠ دينار ولا تزيد عن ٥٠٠٠ دينار أو بإحداهما. كذلك، يستوجب دفع قيمة ما تم استهلاكه والتعويض للوزارة. أيضا ينص قانون حماية الأموال العامة ١/١٩٩٣على عقوبات أشد والتي قد تصل للحبس لمدة ١٥ سنة والحبس المؤبد، مما يدل على عقوبات رادعة لحل هذه المشكلة. أما من الناحية التنفيذية فيكمن القصور ليس تكاسلا من العاملين بل لصعوبة تتبع هذه السرقات، ولكن جميع المشاكل لها حلول.

العداد الإلكتروني أو العداد الذكي (Smart Meter) يعد من أفضل الحلول التي تستخدم للتخلص من هذه الظاهرة وهو ما تتجه له وزارة الكهرباء والماء للتخلص من القراءة اليدوية ومساعدة المستهلك لتتبع استخدامه بطريقة أبسط [٧]. قامت الوزارة في عام ٢٠١٨م بتركيب ٥٠٠٠ عداد ذكي في عدة مناطق وهي تطمح لزيادة العدد الى ٨٠٠ ألف لتشمل أنواع السكن المختلفة بكل أنواعها ولكنها تدرس في الوقت الحالي من قبل الجهاز المركزي للمناقصات العامة [٨]. تدل هذه الخطوة على مؤشر إيجابي ولكن الاستخدامات انحصرت على هدفين:

  • ترشيد الاستهلاك

  • التخلص من القراءة اليدوية

في حين يتيح العداد الذكي للوزارة فوائد أخرى كالتخلص من سرقة الكهرباء. ولكن العداد وحده ليس كافيا. العداد الذكي سيقوم بتسجيل وإرسال بيانات عدة بشكل سريع جدا مما يتيح رصد جميع التغيرات في التيار الكهربائي. من هذا المنطلق إذا قامت الوزارة بالاستعانة بالموظفين لرصد الإختلافات فسيكون الخطأ وارد وبشدة. كذلك سيكون عمل ممل مما يقلل الأداء الوظيفي. مع تطور التقنيات ووجود علم تعليم الآلة (Machine Learning) فيمكن تتبع أي تغير من دون متابعة الأشخاص للبيانات. ولطالما كانت البيانات متوفرة وبكميات كبيرة فتعليم الآلة هو الحل الأنسب والأدق وذات كلفة أقل. سيكون النظام صارم على من يحاول العبث أو السرقة ولا يمكن لأي شخص التهرب من القانون لوجود أدلة صريحة تحمي المال العام من الهدر ولا يمكن العبث بها. كذلك سيساعد الوزارة في التحكم بالتيار الكهربائي بسلاسة خاصة بتوجهها لتركيب الألواح الشمسية التي تنتج الطاقة بشكل غير متساوي مما سيؤثر على البنية التحتية ككل إذا لم تؤخذ بعين الاعتبار. ولكن من مبدأ الإنصاف، هناك جانب سلبي للعداد الذكي يجب توضيحه حتى نتفادى أي مشاكل جديدة في المستقبل.

خصوصية السكن بشتى أنواعه هي أمر يستوجب المحافظة عليه، فالإنسان في الكويت حرمته مصونة والتعدي عليها مرفوض من المجتمع بجميع أطيافه ويعاقب عليها القانون ويحرمها الدستور كما ذكر في المادة ٣٨. لذلك وجب التنويه عن قدرة العداد الذكي في التعدي على خصوصية المساكن حين يتم استخدامه بالطريقة الخاطئة. حين ندمج كم البيانات التي سيوفرها العداد الذكي والقدرة الهائلة لتعليم الآلة في التصنيف فستكون النتيجة الحصول على معلومات خاصة جدا. يمكن أن نعرف متى أستيقظ الشخص من نومه، ماذا يفعل فهل يشاهد التلفاز أو يغسل ملابسه، يطهو طعامه أم يمارس رياضته، هل أتى شخص لزيارتهم أو خرج لنزهة. كل شيء يحتاج الكهرباء سيتم تصنيفه من خلال تمييز الكمية التي يستغرقها الجهاز ومقارنة الإستهلاك بالنسبة للأيام السابقة. كذلك سيتمكن من مقارنة استهلاك المنزل بجيرانه مما يتيح معرفة الفروقات التي من خلالها سنعرف إن كان المنزل يستخدم كديوان أو عائلة تسكنه، هل هناك مستأجرين، والإستخدامات الأمنية والتي يصعب شرحها والتدقيق فيها. ويفضل أن يناقش مع الجهات المختصة بسرية حتى لا يتم استغلالها.

إذن هناك جانب سلبي وآخر إيجابي فكيف يمكن تعويض النقص؟ بكل سهولة يجب أن يكون العاملين في هذا المجال من المواطنين ولا أحد غيرهم. فالتكويت في هذا القسم هو أمر لا بد منه لضمان السرية التامة، وعدم الإفشاء بأسرار المواطنين والمقيمين لأي جهة كانت، إلا في الحالات الأمنية كما نص عليها الدستور. إياكم والاستعانة بشركة أو أشخاص من الخارج فينطبق المثل الشعبي على هذه الخطوة "بغيناه عون صار فرعون!". القيام بهذا لا يتطلب إلا بالإستعانة بالمواطنين ذوي الخبرة والشباب اليافع بفكر جديد. يمكن لوزارة الكهرباء والماء البدء بتخصيص قسم لتعليم الآلة والذكاء الإصطناعي بحيث يقوم بندوات داخل الجامعات وخاصة علم الحاسب الآلي، والهندسة لتعريفهم بالفكرة، توفير وظائف تدريبية صيفية في الوزارة لتأهيلهم، ثم توظيفهم بشكل رسمي بعد التخرج. بإتباع هذه الآلية ستقضي الحكومة على سرقة الكهرباء وتقلل منها، وتطور البنية التحتية، وتأمن خصوصية السكن بحيث لا يمكن لأحد مسها لأنها تعتمد على منظومة وليست على شخص.

المصادر:



٣-

٤-

٥-

٦-

٧-

٨-

101 views0 comments
bottom of page